هي خاطرة عششت في عقلي يوما ..
وجدد ذكراها حزن جديد سكن روحا لدغت من ذات الجحر مرتين .,
لا أدري إن كان السمك يتسكع في البحر بزعانف غير التي أعرفها .. ولا أدري إن كانت مناقير الطيور الكادحة تزرق برداً كلما غمست رؤوسها في البحر لتحول الأسماك -ذات الزعانف- إلى مجرد مخلفات وأسمدة طبيعية! .. ولا أدري إن كانت معرفتي لأشياء كهذه تعني لي شيئا!
عندما توقفت لأول مرة أمام عناوين الإنسانية العامة.. وقرأت كلمات كـ: الثقة .. الوفاء .. الطيبة .. المحبة .. الصدق .. لم أرها إلا جدرانا يبنيها لنا كل من نقابله على طرق أقدارنا.. كنت أحس بأن الثقة هربت من كل المطاردين لها .. والحقيقة لجأت لجوءا أخلاقيا من كل مدعي يريد سرقتها .. والإيمان مل من كونه مبررا لكل غاية .. لقد ظننت أن كل هذه المعاني خافت من أن تقيم مع مدعيها في سجن الإنسانية الكبير!
سألتُني وكلي قلق عن الناس ذات يوم اكتشفت فيه أن العالم كتلة تمتص من أرواحنا فسادها وترسخه في التراب لتبقى الأرواح خفيفة متصاعدة نحو السماء .,
ونظرت إلى السماء ورأيت الشمس في كبدها المهترئة .. ترى كم من الأنفاس القذرة تنفثها الصدور لتعود إلينا ونحسبها هواءا نقيا ينعش رئاتنا؟ لعل الآمهم المبعوثة منذ المساء اختمرت في غياهب الغسق لنثمل نحن بها في صباحاتنا!
هل فكرتم مرة في أن الفجر ليس سوى غروب يدير ظهره لآخرين على الطرف الآخر من العالم بينما نفرح نحن بحضوره؟
أما هو .,
فقد كان يزورني حال مرضي .. وكنت أظنه يريد مني حاجة أو ينتظر مالا .. لذا كانت ابتسامته الصافية البيضاء تنعكس على وجهي وترتد إليه ابتسامة مجاملة صفراء!
كان يقص علي مشاكل ناء بحملها قلبه .. وكنت دائما أفضّل أن أمنحة ابتسامة وراءها شبح روح فضلت موقف المشاهد الذي يؤلمة جزء تراجيدي من فيلم أو مسرحية على أن يتفاعل ويساعد بجدية خشية أن يكون عرضة لخداع أو فريسة لكذب .,
كنت مقتنعا بأنني أتيت في وقت لا طيبة فيه .. وأرض تصب فيها مشارب العبث .. ولذا كنت أتربص بأي قلب يضيف لي شعورا عليه ختم الأخلاق أو روحا صالحة للاستعمال!
لقد رحل صاحب الابتسامة البيضاء .. وكذا رحل آخرون .. ووقفت أنا على رصيف نفسي كمن يرمى قطعة من الحظ مضغتها الأيام ولم تبق بها عصارة تروي عطش المنحوسين !
وبعد غروب شمسهم من حياتي اخترت أن أكون مغفلا على أن أكون ظالما يقدم سوء الظن أو خائنا يخون ثقة من أي نوع .. لأنني اكتشفت أن قواي 'القلبية' لا تؤهلني لأن أرقص على جثة .. أية جثة .. حتى لو كانت جثة فأر!
دعوني أطرح عليكم السؤال الذي تردد في نفسي كثيرا عندما قرأته وطرحته على قلبي وعقلي منذ أمد .. ورضيت ساعتها بحكم العقل .,
إذا طلب منكم من لا تعرفون المساعدة ..
هل تقدمون يد العون مع احتمال أن تخدعوا .. وهنا شبهة "غباء"؟
أم تفضلون أن تكتفوا بالمراقبة مع شبهة "التبلد" ؟
هل من عادتكم أن تفتحوا صفحاتكم للآخرين بعفوية وصدق ..
أم أنكم تخافون أن تخرج هذه الصفحات من بين ثنايا نفوسكم فيعكر صفوها وجودهم؟
هل تقدمون حسن الظن أم تقدمون سوءه؟
أيها الاخوات .,
السؤال الذي أبحث عن إجابته فيكم بصورة أشمل هو:
إلى أي مدى تثقون في الإنسان ؟